سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله تعالى: {سبحان} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن تفسير: {سبحان الله}، فقال: «تنزيه لِله عن كل سوءٍ»، وقد ذكرنا هذا المعنى في [البقرة: 32]. قال الزجاج: و{أسرى}: بمعنى: سيَّر عبده، يقال: أسريت وسريت: إِذا سرت ليلاً. وقد جاءت اللغتان في القرآن. قال الله تعالى: {والليل إِذا يسرِ} [الفجر: 4].
وفي معنى التسبيح هاهنا قولان:
أحدهما: أن العرب تسبِّح عند الأمر المعجب، فكأن الله تعالى عجَّب العباد مما أسدى إِلى رسوله من النعمة.
والثاني: أن يكون خرج مخرج الرد عليهم، لأنه لما حدَّثهم بالاسراء، كذبوه، فيكون المعنى: تنزه الله أن يتخذ رسولا كذاباً. ولا خلاف أن المراد بعبده هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله: {من المسجد الحرام} قولان:
أحدهما: أنه أُسري به من نفس المسجد، قاله الحسن، وقتادة، ويسنده حديث مالك بن صعصعة، وهو في الصحيحين «بينا أنا في الحطيم» وربما قال بعض الرواة: في «الحِجر».
والثاني: أنه أُسري به من بيت أم هانئ، وهو قول أكثر المفسرين، فعلى هذا يعني بالمسجد الحرام: الحرم. والحرم كلُّه مسجد، ذكره القاضي أبو يعلى وغيره.
فأما {المسجد الأقصى} فهو بيت المقدس، وقيل له: الأقصى، لبُعد المسافة بين المسجدَين. ومعنى {باركنا حوله}: أن الله أجرى حوله الأنهار، وأنبت الثِّمار. وقيل: لأنه مَقَرُّ الأنبياء، ومَهْبِطُ الملائكة.
واختلف العلماء، هل دخل بيتَ المقدس، أم لا؟ فروى أبو هريرة أنه دخل بيت المقدس، وصلّى فيه بالأنبياء، ثم عُرِج به إِلى السماء. وقال حُذيفة بن اليمان: لم يدخل بيت المقدس ولم يصلِّ فيه، ولا نزل عن البُراق حتى عُرج به.
فان قيل: ما معنى قوله: {إِلى المسجد الأقصى} وأنتم تقولون: صعِد إِلى السماء؟
فالجواب: أن الإِسراء كان إِلى هنالك، والمعراج كان من هنالك.
وقيل: إِن الحكمة في ذِكْر ذلك، أنه لو أخبر بصعوده إِلى السماء في بَدْءِ الحديث، لاشتد إِنكارهم، فلما أخبر ببيت المقدس، وبان لهم صدقُه فيما أخبرهم به من العلامات الصادقة، أخبر بمعراجه.
قوله تعالى: {لنُرِيَه من آياتنا} يعني: ما رأى، أي: تلك الليلة من العجائب التي أَخبر بها الناس. {إِنه هو السميع} لمقالة قريش، {البصير} بها. وقد ذكرنا في كتابنا المسمى ب الحدائق أَحاديث المعراج، وكرهنا الإِطالة هاهنا.


قوله تعالى: {وآتينا موسى الكتاب} لمَّا ذكر في الآية الأولى إِكرام محمد صلى الله عليه وسلم، ذكر في هذه كرامة موسى. و{الكتاب}: التوراة. {وجعلناه هدىً لبني إِسرائيل} أي: دللناهم به على الهدى. {ألاَّ تتخذوا} قرأ أبو عمرو: {يتخذوا} بالياء، والمعنى: هديناهم لئلا يتخذوا. وقرأ الباقون بالتاء، قال أبو علي: وهو على الانصراف إِلى الخطاب بعد الغَيْبَة، مثل {الحمد لله} ثم قال {إِياك نعبد}.
قوله تعالى: {وكِيلاً} قال مجاهد: شريكاً. وقال الزجاج: ربّاً. قال ابن الأنباري: وإِنما قيل للربِّ: وكيل، لكفايته وقيامه بشأن عباده، من أجل أَن الوكيل عند الناس قد عُلم أَنه يقوم بشؤون أصحابه، وتفقُّد أمورهم، فكان الرب وكيلاً من هذه الجهة، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكِّل وانحطاط أمر الوكيل.
قوله تعالى: {ذرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} قال مجاهد: هو نداء: يا ذرية من حملنا. قال ابن الأنباري: من قرأ: {ألاَّ تتخذوا} بالتاء، فإنه يقول: بعد الذرية مضمر حُذفَ اعتماداً على دلالة ما سبق، تلخيصه: يا ذرية من حملنا مع نوح لا تتخذوا وكيلاً، ويجوز أن يستغني عن الإِضمار بقوله: {إِنه كان عبداً شكوراً} لأنه بمعنى: اشكروني كشكره. ومن قرأ: {لا يتخذوا} بالياء، جعل النداء متصلاً بالخطاب، والذرية تنتصب بالنداء، ويجوز نصبها بالاتخاذ على أَنها مفعول ثانٍ، تلخيص الكلام: أن لا يتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً. قال قتادة: الناس كلُّهم ذرِّيَّة من أنجى الله في تلك السفينة.
قال العلماء: ووجه الإِنعام على الخَلْق بهذا القول، أنهم كانوا في صلب من نجا.
قوله تعالى: {إِنه كان عبداً شكوراً} قال سلمان الفارسي: كان إِذا أَكل قال: «الحمد لله» وإِذا شرب قال: «الحمد لله». وقال غيره: كان إِذا لبس ثوباً قال: «الحمد لله» فسمَّاه الله عبداً شكوراً.


قوله تعالى: {وقضينا إِلى بني إِسرائيل} فيه قولان:
أحدهما: أخبرناهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: قضينا عليهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وبه قال قتادة، فعلى الأول: تكون {إِلى} على أصلها، ويكون الكتاب: التوراة، وعلى الثاني: تكون {إِلى} بمعنى على، ويكون الكتاب الذِّكر الأول.
قوله تعالى: {لتُفْسِدُنَّ في الأرض} يعني: أرض مصر {مرتين} بالمعاصي ومخالفة التوراة.
وفي مَنْ قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان:
أحدهما: زكريا، قاله السدي عن أشياخه. والثاني: شَعْيَا، قاله ابن إِسحاق. فأما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني: فهو يحيى بن زكريا. قال مقاتل: كان بين الفسادَين مائتا سنة وعشر سنين. فأما السبب في قتلهم زكريا، فإنهم اتهموه بمريم، وقالوا: منه حملت، فهرب منهم، فانفتحت له شجرة فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلَّهم عليه، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها. وأما السبب في قتلهم شعيا، فهو أنه قام فيهم برسالةٍ مِنَ الله ينهاهم عن المعاصي. وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار، وأن زكريا مات حتف أنفه. وأما السبب في قتلهم يحيى بن زكريا، ففيه قولان:
أحدهما: أن ملِكهم أراد نكاح امرأة لا تحلُّ له، فنهاه عنها يحيى. ثم فيها أربعة أقوال.
أحدها: أنها ابنة أخيه، قاله ابن عباس.
والثاني: ابنته، قاله عبد الله بن الزبير.
والثالث: أنها امرأة أخيه، وكان ذلك لا يصلح عندهم، قاله الحسين بن علي عليهما السلام.
والرابع: ابنة امرأته، قاله السدي عن أشياخه، وذكر أن السبب في ذلك: أن ملك بني إِسرائيل هويَ بنت امرأته، فسأل يحيى عن نكاحها، فنهاه، فحنقت أمها على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت إِلى ابنتها فزينتها وأرسلتها إِلى الملك حين جلس على شرابه، وأمرتْها أن تسقيَه، وأن تعرض له، فان أَرادها على نفسها، أَبت حتى يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طَسْت، ففعلت ذلك، فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إِلا هذا، فأمر، فأُتي برأسه والرأس يتكلم ويقول: لا تحلُّ لك، لا تحلُّ لك.
والقول الثاني: أن امرأة الملك رأت يحيى عليه السلام وكان قد أُعطيَ حسناً وجمالاً، فأرادته على نفسه، فأبى، فقالت لابنتها: سلي أباك رأس يحيى، فأعطاها ما سألت، قاله الربيع بن أنس. قال العلماء بالسِّيَر: ما زال دم يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني إِسرائيل سبعون ألفاً، فسكن، وقيل: لم يسكن حتى جاء قاتله، فقال: أنا قتلته، فقُتِل، فسكن.
قوله تعالى: {ولتَعْلُنَّ عُلُوّاً كبيراً} أي: لتَعَظَّمُنّ عن الطاعة ولتبغُنَّ.
قوله تعالى: {فإذا جاء وعد أولاهما} أي: عقوبة أُولى المرَّتين {بعثنا} أي: أرسلنا {عليكم عباداً لنا} وفيهم خمسة أقوال.
أحدها: أنهم جالوت وجنوده، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثاني: بُخْتَنَصَّر، قاله سعيد بن المسيب، واختاره الفراء، والزجاج.
والثالث: العمالقة، وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
والرابع: سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: قوم من أهل فارس، قاله مجاهد. وقال ابن زيد: سلط الله عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك فارس.
قوله تعالى: {أُولي بأسٍ شديد} أي: ذوي عدد وقوة في القتال.
وفي قوله: {فجاسوا خلال الديار} ثلاثة أقوال.
أحدها: مشَوا بين منازلهم، قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: يتجسَّسون أخبارهم، ولم يكن قتال. وقال الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه؟ والجوس: طلب الشيء باستقصاء.
والثاني: قتلوهم بين بيوتهم، قاله الفراء، وأبو عبيدة.
والثالث: عاثوا وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إِذا فعلوا ذلك، قاله ابن قتيبة.
فأما الخلال: فهي جمع خَلَل، وهو الانفراج بين الشيئين. وقرأ أبو رزين، والحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل: {خَلَلَ الديار} بفتح الخاء واللام من غير ألفٍ. {وكان وعْداً مفعولا} أي: لا بد من كونه.
قوله تعالى: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} أي: أظفرناكم بهم. والكَرَّة، معناها: الرجعة والدُّولة، وذلك حين قتل داودُ جالوتَ وعاد ملكهم إِليهم. وحكى الفراء أن رجلا دعا على بختنصر، فقتله الله، وعاد ملكهم إِليهم. وقيل: غزَوا ملك بابل فأخذوا ما كان في يده من المال والأسرى.
قوله تعالى: {وجعلناكم أكثر نفيراً} أي: أكثر عدداً وأنصاراً منهم. قال ابن قتيبة: النَّفير والنافر واحد، كما يقال: قدير وقادر، وأصله: مَنْ يَنْفِرُ مع الرجل من عشيرته وأهل بيته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8